شرح كتاب العظمة المجموعة الثانية
الإيمان بالعرش واستواء الرب عليه
...............................................................................
السلام عليكم ورحمة الله.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد اسم> وعلى آله وصحبه أجمعين.
من عقيدة أهل السنة والجماعة: الإيمان بما أخبر الله تعالى به من الأمور الغيبية, لدخول ذلك في قول الله تعالى: رسم> الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ قرآن> رسم> فكل ما ورد من الأخبار عن الأمور التي لم نطلع عليها, ولكن جاء الخبر فيها عن الله تعالى في القرآن, أو على لسان أو ألسن رسله فإن المؤمن يتقبل ذلك, ويصدق به, ويعتمده في الاعتقاد, ولا يجوز أن يعرض ذلك على عقله كالعقلانيين الذين يقبلون ما تُقِرُّهُ عقولهم, ويَرُدُّون ما لا تدركه عقولهم, ويقولون: إن العقل هو الذي عُرِفَ به صِدْقُ الرسل فلا نقبل إلا ما جاء صحيحا موافقا للعقل, مع أن تلك العقول عقول مضطربة, تقر بالشيء ثم تنكره, أو تنكر الشيء ثم تعترف به, أو يقره بعضهم بعقله, وينكره آخرون بعقله أو بعقولهم.
فعلى هذا درج أهل السنة, مصدقين بكل ما جاء بكتاب ربهم, وعلى لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم من الأمور الغيبية, فمن ذلك ما أخبر الله تعالى أنه استوى على العرش في قوله تعالى: رسم> الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى قرآن> رسم> وفي قوله: رسم> ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ قرآن> رسم> في سبعة مواضع من القرآن ذكر الله الاستواء على العرش؛ فطريق إثبات ذلك إلى السمع والنقل, فيؤمن أهل السنة بأن الله تعالى استوى على عرشه كما أخبر بذلك عن نفسه, ولا يُكَيِّفُون هذا الاستواء, ولا يُمَثِّلونه بخصائص المخلوقين, بل يقرون بما جاءت به النصوص, وينزهون الله تعالى عن التشبيه والتمثيل, ولا يردون شيئا مما ثبت به الدليل, فيكونون قد رَدُّوا شيئا جاء على, أو في شريعتهم من طريق صحيح ثابت.
وقد عُرِفَ أنَّ العرش عند العرب اسم للسرير العظيم الذي يجلس عليه واحد الملوك؛ الملوك يصنع لهم سرير رفيع, ويجلس عليه واحدهم, قال الله تعالى في قصة بلقيس اسم> ملكة سبأ اسم> يقول: رسم> إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ قرآن> رسم> هكذا وصف بأنه عرش لها تملكهم, وأنه عظيم, ثم ذكر في القصة أن سليمان اسم> قال: رسم> أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قرآن> رسم> فأوتي بعرشها في وقت قصير, ثم قال سليمان اسم> رسم> نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا قرآن> رسم> رسم> فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قرآن> رسم> فهذا دليل على أنه سرير يجلس عليه. وهكذا في قصة يوسف اسم> قال الله تعالى: رسم> وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ قرآن> رسم> أي: على السرير الذي كان يجلس عليه, لما أنها تمت له الولاية, وتم له الملك, ولذلك قال: رسم> رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي قرآن> رسم> فدل على أن يوسف اسم> آتاه الله الملك, أي: ملك مصر. اسم>
وإذا كان كذلك فنقول: إن العرش الذي أثبته الله تعالى لنفسه عرش عظيم، وصفه الله بالعظم, قال الله تعالى: رسم> فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ قرآن> رسم> أخبر بأنه رب العرش العظيم, أخبر بأنه رب العرش, يعني: مالك العرش العظيم, وقال تعالى: رسم> أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ قرآن> رسم> وصف العرش بأنه عظيم.
وكذلك قال تعالى: رسم> فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ قرآن> رسم> وصف نفسه بأنه رب العرش, وقيل: إن الكريم صفة للرب تعالى, أي رب العرش وهو الكريم, وهكذا قول الله تعالى: رسم> ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ قرآن> رسم> فكل ذلك دليل على أن الله تعالى خلق هذا العرش, وأنه عرش عظيم, وخَصَّهُ بالاستواء عليه في هذه الآيات, ثم ذكر أيضا أنه رفيع في قول الله تعالى: رسم> رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ قرآن> رسم> أي: رب العرش, وخالق العرش, ومالكه ورفيع الدرجات.
وهكذا أخبر بأن الملائكة يَحُفُّون حوله, قال تعالى: رسم> وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ قرآن> رسم> أي محيطين بالعرش كما شاء الله تعالى, حافين حوله, أو قريبين منه, وأخبر أيضا بأنهم يحملونه في قوله تعالى: رسم> الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ قرآن> رسم> أخبر بأنهم يُسَبِّحُون, وهم يحملون العرش, وهكذا قال تعالى: رسم> وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ قرآن> رسم> فأخبر بأن العرش محمول كما شاء الله.
وهذه كلها أدلة واضحة على أن العرش شيء مخلوق، وأنه عظيم, وأنه محمول, وأن الله خصه بالاستواء عليه كما شاء. وقد أنكر كثير من المعتزلة حقيقة العرش أنه سرير عظيم, وقالوا: العرش هو الملك؛ حيث أنه ثقل عليهم أن يقبلوا هذه الآيات التي فيها الاستواء, فأولوا العرش, وقالوا: استوى على العرش, يعني: على الملك. وهذا إبطال لما خلقه الله, ولما بَيَّنَهُ وأخبر به.
ولا شك أن حملة العرش يحملونه كما أخبر الله رسم> الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ قرآن> رسم> وإذا قيل: كيف يحملونه, وهذه عظمته؟ رب العرش العظيم، كيف يستطيعون أن يحملوه وهم مخلوقون؟ وكيف يحمله ثمانية أو أربعة كما في بعض الروايات؟
فالجواب: أن حملة العرش حملوه بقدرة الله, وبقوة الله، في بعض الروايات أنه لما خلقهم قال: خلقتكم لحمل عرشي, فقالوا: كيف نحمل عرشك وأنت رب العالمين؟ فقال: قولوا: سبحان الله وبحمده, فاحملوه, فسبحوا الله تعالى وحملوه, يعني: أن قد أقدرهم الله تعالى على حمله بهذا التسبيح رسم> الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا قرآن> رسم> أخبر بأنهم يسبحون ربهم, ويؤمنون به.
مسألة>